إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين
غـدًا توفّى النـفوسُ ما عَمِلت ويحصـدُ الزَّارعُونَ ما زرعوا
إِن أحسنوا أحسنوا لأنفسِهمُ وإن أساءُوا، فبئْسَما صنعوا
و هنا نقول .. من وفَّاها فهو من خيار عباد الله الموفين، ومن طفّف فيها فويل للمطففين، إذا كان الويلُ لمن طفَّف ميكال الدنيا. فكيف حالُ من طفّفَ ميكال الدِّين؟
هيا لنرى أحوال سلفنا الصالح
كان السلفُ الصالحُ: يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعدَ ذلك بقبوله: ويخافون من ردِّه، وهؤلاء الذين يُؤتُون ما آتو وقلوبهم وجلة، رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه: «كُونُوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعُوا الله تعالى يقول:
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة/27]
وعن فضالةَ: لأن أعلم أن الله تقبّل مني مثقال حبةِ خردلٍ، أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول:
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة/27]
وقال مالك بنُ دينار: الخوفُ على العمل أن لا يُقبل أشدُّ من العمل.
وقال عطاءٌ السلميُّ: الحذر الاتقاء على العمل الصالح أن لا يكون لله.
وقال عبدالعزيز بن أبي رَوَّاد: أدركتُهم يجتهدُون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ: أتُقُبِّلَ منهم أم لا؟ قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهرٍ أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
وكان بعض السلف يظهرُ عليه الحزنُ يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يومُ فرح وسرور فيقول: صدقتم. ولكني عبدٌ أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟
رأى وهيبٌ قومًا يضحكون يوم عيدٍ، فقال: إن كان هؤلاء تُقُبِّل منهم صيامُهم، فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يُتقبل منهم فما هذا فعل الخائفين.
وعن الحسن قال: إن الله جعل رمضانَ مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبقَ قومٌ ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجبُ من اللاّعب الضاحك في اليوم الذي يفوزُ فيه المحسنون، ويخسرُ فيه المبطلون.
روي عن علي رضي الله عنه : أنه كان ينادي في آخر ليلةٍ من رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبولُ فنهنيه، ومن هذا المحرومُ فنعزِّيه؟ أيُّها المقبولُ: هنيئًا لك، أيُّهَا المردودُ: جبر اللهُ مصيبتك.
شهرُ رمضان تكثر فيه أسبابُ المغفرة والغفران؛
فمن أسباب المغفرة فيه: صيامُه وقيامُه؛ وقيامُ ليلة القدر. ومنها: تفطيرُ الصّوامِ، والتخفيف عن المملوك. ومنها: الذكرُ. وفي حديث مرفوع «ذاكرُ الله فيه مغفورُ له. وسائلُ الله فيه لا يخيبُ».
ومنها: الاستغفار، وطلبُ المغفرةِ، ودعاءُ الصائم مستجابٌ في صيامه وعند فطره. وفي حديث أبي هريرة: ويغفر فيه إلا لمن أبى.
قالوا: يا أبا هريرة ومن يأبى؟ قال: يأبى أن يستغفر الله. ومنها: استغفارُ الملائكة للصائمين حتى يفطروا. لما كثرت أسبابُ المغفرة في رمضانَ، كان الذي تفوتُه فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان.
صعدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: «آمين، آمين، آمين. فقيل له. فقال: إن جبرائيل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فأبعده الله. قل: آمين فقلت: آمين» الحديث. صححه الألباني.
وقال قتادة: كان يقالُ من لم يغفرْ لَه في رمضان فلن يغفر له فيما سواه؛ وفي حديث آخر «من لم يغفرْ له في رمضان، فمتى يُغفرْ له؟».
متى يغفر لمن لم يغفر له في هذا الشهر؟ متى يُقبل من رُدَّ في ليلة القدر؟ متى يصلُح من لا يصلحُ في رمضان؟ متى يصلحْ من كان فيه من داء الجهالة والغفلةِ مرْضان؟
ترحَّلَ الشَّهرُ وَا لهْفَاهُ وانصرمَا واختصَّ بالفوزِ بالجنات مَنْ خَدَما
وأصبح الغافلُ المسكينُ منكسرا مثلي، فيا ويْحهُ، ياعُظْمَ ما حُرِما
من فاته الزرعُ في وقت البذارِ فما تراهُ يحصد إلاّ الهمّ والنَّدَمَا
شهرُ رمضانَ: أولُه رحمةٌ، وأوسطُه مغفرةٌ، وآخرُه عتق من النار.
يا من أعتقهُ مولاهُ من النَّار، إياك أن تعودَ بعد أن صرت حرًّا، إلى رقِّ الأوزار، أيبعدُك مولاك من النّار، وأنت تقربُ منها؟ وينقذُك منها، وأنت توقعُ نفسك فيها، ولا تحيدُ عنها؟
و يا عاصي ..
إن كانت الرحمةُ للمحسنين فالمسيءُ لا ييأس منها، وإن تكن المغفرة للمتقين، فالظالم لنفسه غيرُ محجوب عنها.
إن كانَ لا يرجوكَ إلا مُحسنٌ فمن الذي يرجوُ ويدعو المذنبُ؟
لم لا يُرجَى العفوُ من ربِّنا؟ وكيف لا يُطمع في حلمه؟
فيا أيُّها العاصي- وكلُّنا كذلك- لا تقنط من رحمة الله لسوء أفعالك، فكم في هذه الأيام من معتق من النار، من أمثالك؟ فأحسن الظن بمولاك وتب إليه، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك.
إذا أوجــعتْك الذنوب فداوِها برفع يَدٍ بالليــل والليلُ مظلمُ
ولا تقنطن من رحمة الله، إنما قنوطك منها من ذنوبك أعظم
من كتاب : وظائف رمضان
[/size]